عايدة توما-الناصرة
عندما يغادرنا المعارف والأصدقاء إلى رحلتهم الأخيرة، يتركون فينا ألم الفراق. ولكن قلائل هم البشر الذين يرحلون عنا ويتركون فينا الحسرة على أننا لم نفز بإمكانية التعرف إليهم بشكل أفضل. الراحلة المناضلة نهاية محمد رحلت بهدوء، ذبلت كالورود يوماً وراء يوم، ولكن أصرت أن يبقى عطرها وأثرها مميزاً إلى آخر يوم. غادرت وكأنها تقول لا حاجة للكثير من الضجيج حول الفراق، فالحياة هي التي تستحق الضجيج والصخب.
لم أمنح فرصة التعرف إلى الراحلة للعمق، معرفتي فيها كانت معرفة المناضلات اللواتي يلتقين في ساحات النضال وجيزاً. نتحدث حول أهم المستجدات، نتشارك في النقاش حول أي مستقبل نريد لشعبنا ولنسائنا، نتشارك الحس الوطني والنسوي الجارف. هذه اللقاءات السريعة كانت كافية لكي أفهم أنني أمام امرأة مميزة ومناضلة صلبه وإنسانة رقيقة. نهاية صاحبة الإرادة من حديد وقلب من حرير، لم يثنها المرض ولم يقعدها عن خوض غمار المعارك الوطنية ضد الاحتلال الاسرائيلي، وتلك الاجتماعية ضد كل ما ومن يهمش المرأة ويحط من مكانتها، وضد الظلم والعنف والقهر. وحتى حين قامت سلطات الاحتلال بمنعها من السفر، مما أدى إلى منعها من إكمال علاجها فى الخارج، تعاملت مع الأمر ببسالة وشجاعة نادرة واعتبرته ثمناً تدفعه مثل جميع الأثمان التي يدفعها أبناء وبنات الشعب الفلسطيني جراء استمرار الاحتلال.
المناضلة نهاية إحدى رموز جيل كامل من المناضلات الفلسطينيات الرائعات اللواتي حكن بجدارة ومهارة بالغة نسيج النضال النسوي المنطلق من منطلقات وطنية وممزوج بآلام شعبنا الفلسطيني البطل. هذا الجيل من المناضلات الذي عمل وناضل ونجح في وضع لبنات في العمل النسوي والوطني. الأخت نهاية حملت الانتماء الوطني الصادق في قلبها، ووضعت التحرر والاستقلال هدفاً منتصباً شامخاً أمام عينيها ولم يغب عن ناظريها أبداً. ناضلت الأخت نهاية ورفيقاتها من أجل الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين، ولكن هذا الهدف ازدان لدى نهاية بتفاصيل العدل الاجتماعي والمساواة والديمقراطية. لقد كان للراحلة نهاية جهد في وضع وثيقة حقوق المرأة وإنصاف المرأة من خلال مشاريع القوانين التي ساهمت فى إقرارها، مثل قانون الأحوال الشخصية وقانون العقوبات.
لا بد وأنك رحلت يا نهاية وفي القلب حسرة على ما آلت إليه أوضاع شعبنا الفلسطيني، حسرة على انسداد الأفق السياسي وإمكانيات التقدم نحو الحل السياسي الذي نرغب فيه إزاء التعنت والجبروت لقوات ولحكومة الاحتلال اليمينية. وحسرة على العجز الدولي أمام تصاعد الإنفلات الفاشي للمستوطنين واعتداءاتهم وجرائمهم المتكررة.
ولكن يا أختي نامي قريرة العين، فهذا الشعب البطل، الشعب الذي اعتاد أن ينهض من جديد بعد كل كارثة تحل به كالعنقاء قادر أن يستنهض ذاته من جديد. هذا الشعب الذي أنجب الأبطال والبطلات وقدم الشهيدات والشهداء على طول مسيرته النضالية، والذي يحارب أسراه المؤسسة العسكرية والسياسية الاحتلالية متزنرين بأمعاء خاوية وإرادات شامخة فينتصرون. هذا الشعب سوف يكمل المسيرة وسوف ينتصر حتماً، فيطرد الاحتلال وأوباشه من المستوطنين وسوف يؤسس للدولة المستقلة الديمقراطية العادلة حتماً.
النائب عن القائمة المشتركة
والجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة