قيس عبد الكريم (أبو ليلى)
تتوقعون مني أن أجدد لها عهد الوفاء لمسيرتها الكفاحية؟ سأفعل. ولكن قبل ذلك دعوني أطلق أنين لوعة من صميم مهجة الإنسان الكامن في أعماق كل منا، القادر أن ينوح ويندب مرارة الفقد، قبل أن يعلموه كيف يخفي آدميته خلف أقنعة الرخام المسماة صموداً وصلابة.
نحن نرى الشهب تخر مبرقة من السماء نحو الأرض فتتلاشى. أما النجوم اللامعة فترتقي من الأرض بمسار متوهج إلى السماء حيث تستقر وتبقى. ونهاية واحدة من هذه النجوم، بل من أكثرها وهجاً وألقاً.
هي علم من أعلام هذا الجيل، جيلنا، جيل النكبة والإنطلاقة: الجيل الذي فتح عينيه على مأساة النكبة والذي صنع، رداً على المأساة، مجد الإنطلاقة.
هو جيل يمضي. رموزه تفارقنا تباعاً الواحد تلو الآخر. وكل منهم، وهو يرحل، ينتزع معه تلك القطعة من الفؤاد حيث كان يقطن في حياته. فيا ويل قلوبنا الممزقة نحن الذين أخطأتنا المنايا من أبناء هذا الجيل، ونحن لا نملك سوى أن نكف دموعنا وأن نعلل النفس بأن ذكراهم ستبقى خالدة في قلوبنا. نعم.. بلا شك. ذكراهم ستبقى خالدة في قلوبنا ولكن على شكل جروح لا تندمل وفراغ لا يمكن ملؤه.
الآن ونحن نودع نهاية، نستلهم النموذج الذي مثلته، بما اتسمت به من تصميم وقوة إرادة ومثابرة وإصرار يصل حد العناد، نستعين به لقهر لوعة الحزن على فراقها، ونقتدي به لصون الصرح الشامخ الذي ساهمت بدور رئيس في بنائه، لبنة بعد لبنة ومدماكاً إثر مدماك، حتى بات يناطح السماء براية حمراء خفاقة.
هي قبل كل شيء مناضلة حزبية. انهمكت بكل طاقتها في بناء الحزب وأبدعت في هندسة وتدعيم أركانه. وتركت بصماتها في مختلف مجالات العمل الحزبي: في البناء والتنظيم والتثقيف والتأهيل وتدريب الكادر وصقل القيادات. وتلمس نتائج جهدها في مختلف الساحات وبخاصة في مخيمات سوريا حيث قادت تنظيم الجبهة لسنوات طويلة حتى عودتها إلى أرض الوطن. أولئك الصامدون اليوم في مخيم اليرموك هم من بين الذين أنشأتهم نهاية وغرست فيهم روح العزيمة والثبات.
وهي أدركت أن الحزب يفقد مغزاه ما لم ينغرس في صفوف حركة الجماهير المناضلة من أجل حقوقها. وكما أبدعت في بناء الحزب، أبدعت في تعزيز بنية الحركة الجماهيرية وكانت عموداً من أعمدة الحركة النسوية في البلاد ترجمة لقناعتها أن الحرية والمساواة للمرأة شرطان لا غنى عنهما من أجل حرية الشعب واستقلال الوطن.
سنبقى نرى ونلمس بصمات نهاية في كل مجال من مجالات حياتنا الوطنية، السياسية والثقافية والاجتماعية. وسنبقى نستمد من ذكراها العزم والدأب والتصميم على المضي قدماً بالمسيرة التي كانت هي دوماً في طليعتها، والتي ستبقى روحها نبراساً ينير لنا الطريق.
على هذا نجدد لها العهد، عهد الوفاء.
نائب الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين