ساما عويضة- القدس
هناك على هامش أحد المؤتمرات خارج الوطن، وكنت ما زلت شابة في مقتبل العمر... مليئة بالتحدي، بالأمل، بالنفس النضالي الوطني والاجتماعي....التقيتها.... كنت قد سمعت بها وتمنيت لقاءها... وتفاجأت بأنها هي أيضاً كانت تعرفني... أو سمعت بي... كيف لا وقد كنّا هي وأنا رفيقات في فصيل وطني واحد (الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين)... كنت قد وصلت لتوي، وذهبت فوراً لقاعة الطعام... حين دخلت القاعة تسأل "أين هي؟"... وهي كانت أنا... فقد جاءت لتسأل عني...عانقتني طويلاً كما تعانق أخت أختها التي حرمت منها لسنوات... احتضتني بحب وحنان، وابتسمت لي وهي تقول بأنها كانت مسرورة جداً بلقائي، وهكذا كانت طوال أيام المؤتمر.. الأخت الكبرى التي لم تتركني...كان لقاء لا يمكن لي أن أنساه مهما طال الزمن...وكان لقاء تبعته علاقة مميزة، بُنيت على الاحترام، والحب المتبادل...
تلك هي الرفيقة نهاية محمد التي عرفتها بعناق وودعتها بقبلة حيث كانت في مستشفى رام الله قبيل سفري المفاجىء إلى فيينا لأكون قرب ابنتي التي كانت مريضة أيضاً...
الرفيقة نهاية استطاعت أن تدخل قلوباً كثيرة، واستطاعت أن تتربع في عقول كثيرة... فقد كانت العقل والمنطق، والفكر التقدمي والنضالي... اليسارية التي لم تحد عن فكرها اليساري... الإنسانة التي استوعبت الجميع ولم تضع فواصل بينها وبين الناس بشكل عام، وما بينها وبين الذين واللواتي كانت قريبة منهم ومنهن...والنسوية التي أبت أن تتنازل عن فكرها النسوي...
تركتُ الجبهة الديمقراطية في وقت الانفصال... وانتهت علاقتي للأسف مع العديد من الرفاق والرفيقات، ولكن علاقتي بها أبداً لم تتزعزع... وما زلت أذكر لقائي بها عندما عادت مع العائدين... لقاءٌ لم يكن أقل حفاوة وحرارة من لقائنا الأول... جلسنا معاً، تحدثنا... تبادلنا الأفكار، واتفقنا على أهمية تقديم مبادرة للاتحاد العام للمرأة الفلسطينية لتجمع ما بين تاريخ الإتحاد في الخارج، وتاريخ الحركة النسوية في الداخل...قدّمنا مبادرة مشتركة للاتحاد ولكن وللأسف لم يتم بحثها أو نقاشها... تقدّمنا بها مرة أخرى، ووضعت في الأدراج...لم تغضب وعلّمتني بأن علي أن لا أغضب، وبأن الأمور قد تسير بطريقة بطيئة وقد نختلف مع الأخريات والآخرين ولكن حتماً علينا أن لا نتفرّق ولا نيأس ما دمنا نحمل هماً واحداً وقضية واحدة...لم تعاتبني يوماً على قراري بالانفصال، بل ولم تناقشني به... وعملت كل ما بوسعها لإعادة علاقتي بالكثيرين ونجحت...
رفيقتي الغالية نهاية... أكتب هذه السطور ودموعي تأبى أن تتوقف... أكتبها وأنا متيقنة بأننا افتقدنا مناضلة ليس كمثلها مناضلة... افتقدنا إنسانة، صديقة، أخت.. صفات قلّما تجتمع في إنسان واحد ولكنّها اجتمعت فيك.. يعتصرني الألم لعدم تمكني من المشاركة في تشييع جثمانك، وفي إلقاء النظرة الأخيرة عليك حيث كنت هناك خارج البلاد... ولكنني أرى وجهك يبتسم لي ويقول "لا تحزني... لا نستطيع أن نقوم بكل شيء في وقت واحد"... تلك أنت... التي سأحاول أن أكون مثلها وأتمنى أن أكون... تلك أنت الرفيقة والصديقة التي أعتز بمعرفتها... بصداقتها... بحبها لي... ولا يسعني إلا أن أقول لك "أحبك...وأتمنى أن أكون مثلك".
مديرة مركز الدراسات النسوية في القدس