آمال خريشة
نبضات دفء نهاية الإنسانة المجبولة بالرقة والإحساس والمبدأية .. تزيل وجع القلب وبرودته، وتذيب صدأ الألم والقهر اللامحدود الذي يغلف حياتنا... بفعل إجراءات الاحتلال وقمعه المتواصل، وبفعل العتمة التي نشرها اتفاق أوسلو وتفرعاته في أزقة وزوايا وطننا الذي ينزف دماً وألماً على مرأى ومسمع من العالم.
تُرسِّم ابتسامتها الدافئة شعاعاً شمسياً يتلألأ نوره في أعماقي ويحمل روحي عبر وهجه الذهبي لتتمازج خلجاتها مع مياه بحيرة طبريا ….في كل اللقاءات والمواقف نجحت نهاية في أن تسكب في روحي رشفات من المعرفة والثقة، والأمل الذي حملني معها ومع نساء يتميزن بالصلابة والعمق والشفافية والإنسانية لنرتفع إلى آفاق وجود إنساني تغمره الإرادة والوعي لتجسيد العدالة والكرامة.
منذ لقائي الأول بها بعد انتقالها إلى رام الله وحتى لقائي الأخير بها قبل أسابيع قليلة من تمزق جسدها في بحر الموت البارد، وعلى مدار عشرين عاماً من العمل المشترك ككادر نسوي نضالي، حيث التقيتها في اجتماعات الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية والمؤسسات النسوية، عملنا معاً في مجالات التنظيم والتخطيط للفعل النضالي الوطني، وللفعل الديمقراطي بمضامين حقوقية، تشابكت أيادينا على الحواجز العسكرية الإسرائيلية وأمام مبنى الأمم المتحدة ومقر الصليب الأحمر، تجاورت مقاعدنا في بيوت الشهداء والمعتقلين، وظل صوتها واضحاً في كافة الساحات والميادين وبقيت هامتها عالية تلامس أطراف السحاب.... اتسم حضور نهاية بالمواقف المنحازة لمصالح شعبنا نساءً ورجالاً وبالالتزام المبدئي بالأهداف الوطنية لشعبنا الفلسطينية.
كانت دوماً في حالة عطاء، متميزة في مجال التنظيم والتعبئة والعمل الدؤوب في ملفات مركبة جوهرها حق اللاجئات في العودة، وإنهاء الاحتلال، وبناء فلسطين الوطن الديمقراطي بما يتطلبه ذلك من الحماية الاجتماعية، واحترام الحقوق المدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لكافة المواطنين والمواطنات.
دافعت نهاية بمبدأية عن ضرورة التزام منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية بوثيقة حقوق المرأة التي ساهمت في صياغتها وتعميمها. وكذلك في مجال محاربة التمييز ضد المرأة في قوانين الأسرة والعمل والعقوبات، وكرست جهداً متواصلاً من أجل إقرار مبدأ التمييز الإيجابي للنساء في قوانين الانتخابات، وحتى الرمق الأخير استمرت في العمل من أجل إنهاء الانقسام ومن أجل تطوير وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية على قاعدة برنامج وطني يساهم في وقف الشرذمة والاجتهادات والتكتيكات المنفردة التي دفع شعبنا ولا يزال، ثمناً باهظاً من جراءها. لم تكل نهاية ولم تهدأ ولم تشهد أية لحظة ارتباك أو ضعف في كافة مسارات وتشعبات العمل الوطني والنسوي.
شاركتني نهاية بتجاربها وذكرياتها في رحلة اللجوء والشتات بعد اقتلاع عائلتها وشعبنا الفلسطيني بفعل النكبة عام 1948، وبقيت الشام تحتل حيزاً واسعاً من مشاعرها وعقلها ومواقفها السياسية والانسانية.... امتلأت أحاسيسها بالغضب حول ما جرى ويجري في سوريا من إرهاب منظم دفع ثمنه الشعب السوري واللاجئيين الفلسطينيين، وكانت تتواصل بشتى الطرق بأفراد عائلتها وأصدقائها وصديقاتها، ورفاقها ورفيقاتها للاطمئنان على أوضاعهم/ن في ظل حرمانها من السفر على مدى عشر سنوات من قبل سلطات الاحتلال.
إن مسيرة نهاية في صفوف الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين جذرت تجربة القيادة النسوية وعمقها الإنساني إذ أصبحت نموذجاً للفعل النسوي القيادي وأضافت طاقة نضالية متجددة ضد الاحتلال والظلم والقهر في الزمن الذي يشهد يباساً وفرقة وشرذمة.
برد جسدك يا من شكلت بدايات لحيوات افراد كثر ولمسارات متنوعة في الفعل الانساني ............ وسكن قلبك تحت التراب في مدينة البيرة.... ما يعزيني يا رفيقتي نهاية أن روحك تواصل الترحال ممتطية أهداب عيون الشهداء والشهيدات ............. وتواصل الالتحام مع خيوط قوس قزح التي تلف فضاء طبريا وتلامس خيوطه قمة جبل الكرمل في حيفا........ ستبقين يا نهاية نجمة فضية في سماء زمن ربيعي يبشر بالحرية وبالعودة للوطن السليب.
مديرة جمعية المرأة العاملة الفلسطينية