نهاية محمد: قاسم مشترك، وضوح الرؤية وثبات في الموقف

أشرف أبو حية

كان لي عظيم الشرف أن أعمل مع الراحلة نهاية محمد في المجال الحقوقي والنسوي، حيث كانت الراحلة تنسق عمل اللجنة الوطنية لقانون الأسرة التي تضم الإتحاد العام للمرأة الفلسطينية ومجموعة من المؤسسات النسوية والحقوقية. يعتبر قانون الأحوال الشخصية من أكثر القوانين التي شكلت، ولازالت، جدلاً في المجتمع الفلسطيني منذ بدء النقاش حوله وحتى يومنا هذا، كان لدى الراحلة رؤية واضحة لما نريد من قانون الأحوال الشخصية، وكيف يمكن أن يلبي حقوق النساء في الحد الأدنى في ظل مجتمع ذكوري تحكمه ضوابط العادات والتقاليد، حيث لعبت الراحلة دوراً كبيراً في جسر الهوة ما بين المؤسسات النسوية والحقوقية والإتحاد العام للمرأة الفلسطينية، للتوافق على رؤية جامعة تقدم بإسم هذه المؤسسات والإتحاد وغالبية الحركة النسوية. فيما يتعلق بموقفها من قانون الأحوال الشخصية.

تعتبر الراحلة قاسماً مشتركاً لكافة أطياف العمل الحقوقي والنسوي الفلسطيني، تمكنت من جمع كافة الأطراف المكونة للجنة الوطنية لقانون الأسرة والتوصل إلى تفاهم مشترك يعبر عن إجماع حول القضايا المفصلية في قانون الأحوال الشخصية، والتي تشكل مطلباً جماعياً في مرحلة معينة. وخلال تنسيقها لعمل اللجنة الوطنية لقانون الأسرة تمكنت الراحلة من حشد كافة الجهود والموارد المحلية والعمل الإقليمي ليكون داعماً لجهود اللجنة الوطنية في عملها، كما تمكنت الراحلة من تحقيق أهم الأهداف المرحلية التي كانت تسعى لتحقيقها والمتمثلة في إعداد مسودة قانون أسرة فلسطيني يحترم حقوق النساء، وتقديمه للرئيس من خلال الإتحاد العام للمرأة الفلسطينية. كما وشاركت بفاعلية عالية جدً في النقاشات وإعداد الصياغات الخاصة بالمواد القانونية في المسودة المقترحة من قبل اللجنة الوطنية لقانون الأسرة، وفي العام 2013 لعبت الراحلة دورا هاماً ومميزاً خلال مداولات اللجنة الرئاسية المعنية بوضع مسودة لقانون الأسرة ولكن اللجنة الرئاسية لم تستكمل العمل وتوقفت في نهاية العام 2013.

كانت الراحلة تضطلع بملفات عدة تختص بحقوق النساء والتشريعات، حيث كانت تمثل الإتحاد العام للمرأة الفلسطينية في ائتلاف قانون العقوبات الفلسطيني، وهو ائتلاف يضم مجموعة من المؤسسات النسوية والحقوقية إضافة للاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، حيث لعبت دوراً محورياً في النقاشات مع صنَاع القرار كذلك في تشبيك العلاقات بين مكونات الحركة النسوية والمؤسسات الحقوقية ومؤسسات المرأة، وساهمت بشكل مباشر في صياغة وثيقة ملاحظات مؤسسات المجتمع المدني على مشروع قانون العقوبات الفلسطيني الذي أقر بالقراءة الأولى من قبل المجلس التشريعي الأول، حيث تمكنت من تضمين كافة الملاحظات المرتبطة بقضايا النساء وبخاصة حمايتهن من العنف وتوفير الحماية لهن في القوانين والتشريعات. في العام 2011 تم تشكيل فريق وطني حكومي وأهلي لإعداد مشروع قانون عقوبات فلسطيني، وتم ترشيح ممثلين عن ائتلاف قانون العقوبات في عضوية الفريق، وكانت الراحلة تغلِب روح العمل الجماعي على أي اعتبار  آخر بترشيحها لزملاء لها ليمثلوا الائتلاف في عضوية الفريق الوطني، ذلك لثقتها المطلقة بهم وبرؤيتهم التي تتقاطع ورؤيتها فيما يخص حقوق النساء في القوانين والتشريعات، إلا أنها بقيت على تواصل مستمر مع ممثلي الائتلاف لتكون على اطلاع أولاً بأول على مجريات العمل في الفريق الوطني وما يتم إنجازه بشأن القضايا الحقوقية واطمئنانها بأن الرؤية التي تحملها سوف تكون حاضرة في مشروع قانون العقوبات.

لا يمكن للكلمات أن تصف الراحلة، فعلى مدى التجربة التي استمرت أكثر من ثماني سنوات في العمل الجماعي، كانت تعلمنا يومياً كيف يكون لدينا احترام للقيم الإنسانية، كانت دائماً تواظب على المواعيد، وتحترم الوقت بشكل مقدس، وكانت دائماً تأتي إلى الاجتماعات ودفترها وقلمها حاضران، كانت تُحضر أعمالها قبل القدوم إلى ورشات العمل أو الاجتماعات، كانت تحترم وجهة نظر الآخرين حتى لو اختلفت معهم، كانت ثابتة على مواقفها ومدافعة شرسة عن قضايا النساء وحقوقهن والمستضعفين والمستضعفات. لم أرَ مثلها في إدارة اللقاءات أو الاجتماعات الهامة والحساسة والتي تناقش قضايا مفصلية وخلافية، كانت تحاور الجميع وتحترم الجميع مما أكسبها احترام وثقة الجميع. لقد تأثرت بها كثيراً، لقد دعمتني في الكثير من المواقف، ودافعت عني في مواقف أكثر، افتقدها اليوم وبخاصة في ظل كل هذه التطورات الحاصلة على الصعيد الحقوقي والنسوي.

ستبقين دائماً ملهمة للأجيال القادمة المدافعة والمناضلة عن القضايا الوطنية والحقوقية والنسوية.

كاتب وباحث قانوني-مؤسسة الحق

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *