“نهاية محمد”.. شمعة خبت ونورها انتشر

سميرة خوري- الناصرة

ببالغ الحزن والأسى، نتحدث عن نهاية محمد بلغة الغائب، نتحدث عن صديقة وزميلة قضت نحبها بعيدة عن بلدها طبريا التي تهجرت أسرتها منها سنة 1948، عن بلدها الذي عشقته وحلمت بالعودة إليه. ناضلت كل حياتها متشبثةً بتحقيق هذا الحلم، حلم سحق الاحتلال والمحتلين، حلم الاستقلال وبناء الدولة الفلسطنية بعاصمتها القدس، وعودة اللاجئين المشتتين في كل بقاع المعمورة.

عرفتها من خلال المؤتمرات النسائية الدولية، التي كانت تعقد لمناسبة السنة الدولية سنة 1975، إذ كنا نلتقي كل الوفود من كل أقطار العالم بدعوة من اتحاد النساء العالمي وهيئة الأمم. وكانت تجلس مع الوفد الفلسطيني من ضمن الاتحاد العام للمرأة الفلسطنية، الذي تشكل من تنظيمات نسائية فلسطينية مختلفة، وكان وفدنا يمثل حركة النساء الديمقراطيات، الذي يضم نساء عربيات ويهوديات، ونحمل نفس الخط السياسي ضد سياسة حكام اسرائيل، ضد الاحتلال، ومن أجل إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة إلى جانب دولة اسرائيل بحدود سنة 1967، وعاصمتها القدس، وعودة اللاجئين بحسب قرار هيئة الأمم المتحدة 194، ومع ذلك لم نكن نتفق مع الوفود العربية على الخط السياسي، فكانت الوفود العربية تقاطع وفدنا، مع أننا لم نكن نمثل لا حكومة اسرائيل ولا سياستها. وكانت كلماتنا انتقاداً لسياستها ولاحتلالها الأراضي الفلسطينية، ولعنصريتها واضطهادها لنا، للأقلية العربية الفلسطينية التي بقيت في البلاد.

وهنا نقول، صدق من لقب نهاية محمد بمدرسة الائتلاف والاختلاف، نهاية محمد تفهمت موقفنا مع أنها عارضت خطنا السياسي، ولكنها وبسرعة دعت بعض من المندوبات العربيات للبقاء في القاعة، والاستماع لكلمتنا، وفي ساعة الاستراحة توجهت إليها للتعرف عليها أكثر، سألتني من أين أنت؟ أجبتها سميرة خوري من الناصرة، وبعيون طفحت بالدموع أجابت: أنا نهاية محمد من طبريا، وأنا أحلم بالعودة إليها وأناضل من أجل ذلك، أجبتها نحن أيضا نناضل منذ النكبة سنة 1948 ومنذ النكسة سنة 1967، ومعنا زميلاتنا اليهوديات نناضل لنفس الهدف، أدركت نهاية محمد أهمية الرسالة التي نحملها جميعاً، واستطاعت بقدرتها على فهم الآخر، وضرورة التحالف والعمل المشترك على الرغم من الاختلاف بالرأي لمصلحة الهدف المشترك، استطاعت هي ونزيهة الدليمي ومندوبات أخريات من الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية اقناع باقي المندوبات لعقد اجتماع مشترك لكل الوفود العربية وبمشاركة وفدنا من حركة النساء الديمقراطيات في اسرائيل، المؤلف من نساء عربيات ويهوديات، والسماح لروت لوبتش بإلقاء كلمة عن وفدنا، وكان المؤتمر لاتخاذ قرارات مشتركة ضد سياسة حكومة اسرائيل، والمطالبة بتنفيذ قرارات الأمم المتحدة بخصوص القضية الفلسطينية.

التقيتها مرة أخرى بعد انقطاع طويل في الاجتماع التنسيقي الذي عقدناه، حركتنا مع باقي الأطر النسائية المنظمة في الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية في رام الله قبل بضع سنوات، أثناء التحضير للمؤتمر العام للاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، وعند لقاءنا أول كلمة قالتها مازلت يا سميرة أحلم وأنتظر العودة إلى بلدي طبريا.

نهاية رمز للنساء المناضلات. لم ألتق بها كثيراً، ولكن أدركت أنها شجاعة وعنيدة، هادئة وإنسانة لها قدرة على الاقناع، ربطت نضالها من أجل تحرير فلسطنين وتحرر المرأة، لم تؤمن بالفصل بين السياسة والعمل النسوي، وآمنت بالعمل من أجل العدالة الاجتماعية وتحقيق الديمقراطية وضمان الحقوق لكل إنسان.

غابت نهاية محمد عن أهلها وزميلاتها وشعبها جسداً، ولكنها تركت ذكريات وبصمات أينما كانت، فهي رمز لا يُنسى، عزاؤنا لجميع من عرفها وأحبها، وأملنا بمن بقي بعدها لاكمال مسيرتها مستنيراً بنور شمعتها التي خبت.

عاشت ذكراك يا نهاية محمد

 

عن حركة النساء الديمقراطيات

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *